أرشيفات التصنيف: فلسفة

الجدل الديني : جدل القرآن مع اليهود و النصارى (الجزء الأول)

لقد كان نزول الوحي على نبي الإسلام محمد يصطدم بين آونة و أخرى بطوائف دينية مختلفة و متعددة النزعات. فكل طائفة تدعي أن دينها هو أقوم الأديان و أفضلها و أن مقدساتها أشرف المقدسات, لقد نشب جدال عنيف بين طائفتين كبيرتين هما اليهود و النصارى و قد أشار القرآن إلى جدالهما بقوله : وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون [ ص: 73 ] و قوله كذلك : وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون [التوبة: 30 ] .

لما جاء الإسلام كان من بين الديانات التي عارضته و قاومته بشدة و اتخذت منه موقفا عدائيا ; الديانة اليهودية و الديانة النصرانية مع شيء من اللين و التأدب في النقاش, لقد كان اليهود أشد عداوة و كيدا للإسلام فعندما نزل الوحي و تضايق النبي من إيذاء الكفار له هاجر |إلى المدينة المنورة التي استقبلته بالترحاب و ناصرت دعوته و كان بالمدينة آنئذ طائفة قوية من اليهود , أما النصارى فباعتبار بعدهم عن المدينة و انعزال القساوسة و الرهبان في الأديرة , كان اصطدامهم مع الإسلام أخف و يشير القرآن إلى ذلك بقوله : لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون [ المائدة: 82 ] .

إن الجدال الذي دار بين القرآن و اليهود تناول مشكلات كثيرة : منها النبوة و الأنبياء و منها ما يتعلق بذات الله و صفاته, إن اليهود قد أنكروا أن يكون محمد نبيا مرسلا حيث أنكروا كذلك من قبل نبوة المسيح عيسى بن مريم و طعنوا في أمه مريم طعنا شديدا , في حين يعترف القرآن بعيسى و برسالته كنبي و بغيره من الأنبياء و المرسلين أما فيما يتعلق بطبيعة الله فيختلف القرآن عن اليهودية اختلافا كبيرا في فهم طبيعته, و من هنا يرى القرآن أن الله منزه تنزيها كليا عن التشبيه و التجسيم لقول الآية : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد [ الإخلاص: 1,2 ] و ترى الديانة اليهودية أن لله جسما مثل جسم الإنسان و أن أحد أنبياء بني إسرائيل الذين ذكرهم القرآن هو ابن الله .

إن القرآن قد بين بكل وضوح الصفات الدينية التي يتصف بها اليهود كفساد الأخلاق و الكذب على الله و الغش في معاملة العباد و إلى ذلك تشير الآية الآتية : مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله و الله لا يهدي القوم الظالمين [ الجمعة: 5 ]. فهنا إشارة إلى تغيير الكتاب المقدس من طرف اليهود ألا و هو التوراة حيث تقول آية أخرى : يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين [ المائدة : 13 ]. ثم نجد القرآن يندد بأخلاقهم و كذبهم بقوله : سماعون للكذب أكالون للسحت [ المائدة : 42 ] ثم تضيف السورة : وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا [ المائدة : 64 ] ثم نجد في القرآن إشارة أخرى إلى المجهود المتواصل الذي يقومون به في إيقاد نار الفتن و إشعال الحروب و الإفساد في الأرض : كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين [ المائدة ] و في الأخير يحكم القرآن عليهم بالذل حين يقول : [ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون] .

لقد جادل القرآن اليهود بعنف لكنه دخل في نقاش مؤدب و هادئ مع المسيحية حول مشكلة تأليه عيسى و حول التثليث (لقد كفر الذين قالوا أن المسيح بن مريم) و تضيف آية أخرى (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) وفي الأخير تحكم الآية بالكفر على اللذين يؤمنون بالتثليث (لقد كفر اللذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة و ما من إله إلا إله واحد) .

الدياليكتيك الهيجلي كمصدر أساسي للدياليكتيك الماركسي

حين كنت أكتب الجزأ الأول من رأس المال كان أبناء الجيل الجديد أولئك الأدباء التافهون يباهون بأنهم ينظرون إلى هيجل نظرتهم إلى كلب ميت, لذا بادرت و أعلنت أنني لست إلا تلميذا لهذا الأستاذ العملاق. (كارل ماركس)

يقول ماركس : إن منهجي الدياليكتيكي لا يختلف عن المنهج الهيجلي من حيث الأساس فقط بل إنه الضد المقابل له أيضا, فالبنسبة لهيجل أن عملية تطور الفكر و نموه هذه العملية التي يشخصها و يعتبرها مستقلة و يطلق عليها اسم ”الفكرة” هي في نظره خالقة الواقع, أما بالنسبة لي فإن عالم الأفكار ليس إلا العالم المادي منقولا إلى الذهن البشري و مترجما فيه .

و قد أشار ماركس إلى الدياليكتيك الهيجلي كمصدر لجدله في نوع من الاستخفاف : ” فدياليكتيك هيجل يسير على رأسه و يكفي إعادته على قدميه لكي نرى له هيئة معقولة تماما ”. و يضيف : إن منهجي في التحليل ليس هو منهج هيجل لأنني مادي و هيجل مثالي; إن دياليكتيك هيجل هو الشكل الأساسي لكل دياليكتيك بعد أن تزال صورته الصوفية و هذا بعينه ما يميز منهجي .

اقتبس كارل ماركس من أستاذه المثالي هيجل منهجه الثوري و رفض جميع آرائه المثالية و الصوفية و قد صرح ماركس في النصوص التي أوردناها أنه يتبنى المذهب المادي , فماديته تختلف تمام الاختلاف عن المادية الميكانيكية الآلية التي سيطرت على مفكري القرن الثامن عشر و التاسع عشر الذي تزعمه فيورباخ , إن المادية الميكانيكية تنظر إلى المادة في حركتها الآلية و تنظر إلى الطبيعة نظرة ميتافيزيقية , هذه النظرة التي تعتبر الظواهر نهائية و ثابتة و هي نظرة تقف عند الطبيعة فقط و لا تتعداها إلى التاريخ حيث رأت أن الفكر هو الخالق للواقع و العامل على تطور المجتمع .

إن المادية الميكانيكية ساذجة إلى حد بعيد عندما اعتبرت أن الدماغ يفرز التفكير و أن الفسفور هو ما يفكر فينا , ماركس يرى أن وجود المادة و المجتمع سابق على وجود الفكر . وليس معنى هذا أن ماركس لا يؤمن بفعالية الفكر بل يعتبر أن الوعي أو الفكر ليس إلا انعكاسا للمادة أو المجتمع و هو قادر على التأثير في المحيط المادي و المجتمعي . و قد لاحظ ماركس أن العيب الرئيسي للمادية الميكانيكية و الماديات الأخرى أنها تنظر للواقع و للواقع المحسوس على شكل تأمل و ليس كفاعلية إنسانية مشخصة .

فالمذهب المادي يرى أن الناس نتيجة الظروف و التربية التي تلقوها لكن يجب أن نلاحظ أنهم قادرون كذلك على تغيير الظروف التي خلقوها, الماركسية تعتبر أن المادة و الوعي يدخلان في علاقة تأثير كل واحد منهما على الآخر و تنظر أيضا إلى المادة و هي تتحرك في حقيقتها أي في الواقع المعاش .

إن المادة تعيش في حركة دائمة : حركة ميكانيكية (المكان), حركة فزيائية (داخل المادة) و حركة كمياوية (تفاعلات) و حركة بيولوجية (الحركة العضوية) و حركة اجتماعية كتطور المجتمع و التاريخ . إن العالم الموضوعي تتجلى فيه هذه الحقائق المادية و هي لا تقف عن الحركة لأنها تحتوي على تناقضات داخلية و الدياليكتيك ليس إلا دراسة هذه التناقضات خاصة الباطنية و الخفية منها .

إشكالات الواقع

تهتم الفلسفة بمشكلة أساسية ربما كانت هي المشكلة الوحيدة التي وجد بها هذا النوع من التفكير من أجلها : مشكلة ماهية أو ذات أو حقيقة أو جوهر الواقع. ما هو الواقع ؟ ما هو الوجود ؟ ما هي مقاييس الواقع ؟ حينما نتكلم عن الواقع ماذا نقصد بهذا اللفظ ؟ ماذا يتبادر لأذهاننا حينما نريد تحديد الواقع ؟ هل الواقع هو ما تتناوله أيدينا ؟ أو يقاوم فاعليتنا ؟ بخلاف الشيء غير الواقعي أي الخيال و الماضي و المستقبل يقول Jules Lagneau : ” الزمان يشكل ضعفي المكان” فهو خارج عن نطاق فاعليتنا و إرادتنا . هل الواقع هو ما تقرره المعايير الاجتماعية ؟ لكن هناك مشكلة : هل العقلية الجماعية صالحة ؟ يقول Braudel فيلسوف فرنسي معاصر : إن مفهومي الموضوع و الموضوعية يختلفان حسب العصور التاريخية و الأشياء تكون موضوعية أو لا تكون إذا ما كانت مطابقة أولا للنظرة الخاصة التي تنظر بها الحضارات المعنية المختلفة الواقع. و في نفس المعنى يقول Lévy-Bruhl : إن البدائي لا يدرك الأشياء كنحن . إذا كان الأمر كذلك فالواقع إذن من نوع آخر: هل الواقع هو ما أراه أو أتذوقه أو ألمسه ؟ هل الواقع هو ما يعبر عنه التفكير المنطقي و العمليات العقلية الاستدلالية ؟ هل الواقع هو ما نعتقده بعد التفكير ؟ كما قال Pierre Janet : إن الواقع نتيجة اعتقادات تبصرية . هل الواقع هو ما تعبر عنه الإشكالات الخارجية ؟ كما قال Goblot من أكبر المناطقة في فرنسا : ”هذه الظاهرة الحاضرة ولي هي حاضرة و ليست لي” . إذن هل الواقع هو ما هو حاضر أي أن الواقع هو ما تعبر عليه الأحكام الحاضرية بدليل أن الشيء غير الحاضر يمكن أن يكون وهما أو شبحا ؟ ما هو الفرق بين الواقع و الخيال ؟ بين الواقع و المثل؟ بين الواقع و التصورات الذهنية ؟ هل هناك واقع واحد ؟ ما هو الفرق بين واقع الحياة اليومية ؟ أي الواقع المحسوس و واقع العالم أي واقع الشكل و الحركة و الامتداد و كذلك واقع الذرة و مركباتها أو واقع حقل القوى المعبر عليه بالمعادلات الرياضية . ما هو واقع الفنان أو الشاعر ؟ فالكل يعلم أن هذا الواقع بعيد كل البعد عن واقع الحياة اليومية و العملية , كذلك عن واقع العلم . فعالم الفنان عالم كله أناقة و انسجام و جمال في جمال أي عالم خال من السخافة و الخشونة . خلاصة القول ما هو الواقع بالنسبة للميتافزيقا ؟ أو في نظر الفيلسوف الميتافزيقي أو الأنطولوجي ؟

ما هو الواقع بالنسبة لأفلاطون ؟ ”العالم المحسوس و المثل العليا” إذن الواقع هو عالم المثل العليا أو عند Leibniz ” الذرات الروحية Monade ” أو عند كارل ماركس ” المادة و الفكر و العلاقة الاجتماعية” أو عند هيجل الواقع هو : الفكرة المطلقة التيي تتموضع في كل شيء . ” كل شيء واقعي هو عقلي و كل شيء عقلي هو واقعي ” . ما هو الواقع عند رجل الدين ؟ .. التفريق بين واقعين , واقع دنيوي و واقع الآخرة , هذا الأخير يمتاز بواقعية حقيقية لأنه أزلي فالساعة قائمة لا ريب فيها عند رجل الدين . هذه التساؤلات تقرر أن الواقع هو دائما (منظومة مبنية) قصدا أو ضمنيا شعوريا أو لا شعوريا , معنى ذلك أنه ليست هناك علاقة بين الواقع المطلق و الذات العارفة أي أن الواقع ليس معطى فطري بل هو شيء مبني .

ما هي ذات الواقع ؟ أو ما هو كنه الواقع ؟ فالكل يقوم من مقارنة و من مقابلة بين الواقع من جهة و التفكير من جهة أخرى أو بين الشيء و الفكرة , لكن هل هذه المقابلة صحيحة ؟ هل هذا التعارض صحيح هل الواقع هو التفكير ؟ يقول المثاليون أن الواقع شيء خارج عن نطاق الفكر أي أن الأشياء مستقلة تماما عن ”الذات العارفة” كما قال الواقعيون . الواقع هي العلاقة الموجودة حتميا بين الذات العارفة و الشيء الواقعي , هذه المشاكل تدخل في إطار العلاقة و هذا الإشكال بدوره يتحكم في الاتجاهات الرئيسية للفلسفة .

السحر و التفكير السحري

إن الإنسان في التعريف المدرسي حيوان عاقل. لكن التفكير القديم للإنسان أثبت أن الشعوب البدائية كانت تتعاطى الشعوذة و السحر و سنرى أن هذا النوع من التفكير هو المظهر الأول للعقل البشري في جميع أنشطته الثقافية و العلمية و الفنية و الدينية.

لقد حكى أحد الهنود من قبيلة Hopi في مذكراته حوادث عن الطقوس السحرية التي خضع لها أبواه قبل ولادته، فقد أخبر كبير السحرة في القبيلة أمه بمولد توأمين و بما أن أمه كانت ترغب في أن تلد ولدا واحدا فقد قرر الساحر أن يجعل من الولدين بعد أن يجمعهما بعملية سحرية ولدا واحدا في بطن أمه، أخذ الساحر طحين الذرة و ألقى به أمام الباب في اتجاه مشرق الشمس ثم أخذ بعد ذلك قليلا من الصوف الأبيض و الصوف الأسود و غزل به خيطا غلف به مقبض أمي الأيسر و قد منعها من أن تنظرالى رسوم الثعابين التي تعرض في الحفلات و هكذا صرت أفعى مائية في رحم أمي و لم أرفع رأسي متجها إلى الأعلى بل صرت في الإتجاه الأسفل لكي أبحث عن مخرج ، كان أبي حريصا على أن لايؤذي أي حيوان و إلا سيعرض جسمي للإتلاف، فإذا قطع رجل أحد المخلوقات الحية مثلا فإن هذا سيسبب لي بترا ليد أو رجل.

حرص أبي كذلك أن يطعم أمي من لحم ابن عرس لكي أصير رشيق الحركة و أنزلق إلى الخارج كما يخرج هذا الحيوان الماهر من جحره.هذا المثال يبين بكل وضوح أن الساحر يحاول أن يتصرف في الطبيعة بواسطة عمليات سيكولوجية.

فهو يحاول أن يسخر الرياح و الأمطار لمصلحته و بالتالي فإن العالم مليئ ”بقوى خفية” يجب التحكم فيها للسيطرة عليها، إنه يحاول أن يسير هذه العمليات بواسطة كلمات، فالعالم مليئ بالأرواح – وهو ما يعتقده التفكير السحري – و هنا نلتقي مع المذهب الإحيائي، يقول ” فولتير ” : بأن الساحر يحاول أن يفعل ما لا تستطيع الطبيعة أن تفعله.

والواقع أن المجتمعات البدائية لا تفرق بين ما هو طبيعي و بينما هو خارق للطبيعة أي ”الفوق الطبيعي” ، إلا أن للسحر فضل كبير على العلم الحديث، فهو الذي دلنا على الفكرة القائلة بأن هناك قوى خفية و مجهولة صيرها العلم في خدمة الإنسان، هنا نكون أمام قضية غريبة هي السرية التامة التي تكتنف التعليم السحري أي المعلومات التي ينقلها الساحر إلى تلامذته، إذ لا يمكن أن يبوح بها إلا إلى هؤلاء التلاميذ، إلا أنه يمكن أن نتساءل لماذا وجد السحر باستمرار و على مر العصور فرافق الإنسانية منذ وجودها رغم الفشل الذريع الذي مني به في الميدان الذي يزعم السحرة أنهم يحصلون فيه على نتائج تطبيقية ؟

إن انتشار السحر انتشارا هائلا في جميع المجتمعات مرجعه إلى الرغبات و الأهواء التي يزعم إرضاءها. إن الإنسان يتميز بكونه ذو رغبة جامحة في ملك هذه القوى الخارقة التي تتحكم في الحياة و الموت، في الصحة و المرض، في الفقر و الغنى، في الحب و الكراهية، بعبارة أخرى يرغب الإنسان في أن يملك هذا الشيئ الخفي الذي يجعله قويا و بشعوره بالقوة يشعر بالسعادة، و من جهة أخرى فإن السحر مقبول من طرف المجتمع حيث أصبح منظما تنظيما اجتماعيا ثم إن انتشار السحر و طقوسه و شهرة المتعاطين له كانا هما السببان الرئيسان في حمايته رغم الفشل الذريع الذي مني به على مر العصور.

إذا ما اعتبرنا السحر من زاوية العلم الحديث فإن التفكير السحري لا يكون في نهاية الأمر إلا حلما أو عملية فكرية خيالية . فرغم إدراك الساحر لقانون ”العلية” فإنه يجهل تمام الجهل القوانين المتعلقة بالمادة.

الدين و تطور المجتمع

اختلفت الآراء حينما تطرح مشكلة العلاقة بين الدين و تطور الجتمع. فهناك من يقرر إيجابية الدين في هذا المضمار و هناك من يذهب إلى العكس. فالذين يدافعون عن الرأي الأول يؤكدون أن الدين قوة بناءة إليها يرجع الفضل في تقدم الحضارة و الإنسانية، فالفلسفة و العلوم كان أصلها الدين و في ميدان الأخلاق نجد أن الدين يحث إلى فعل الخير و تجنب الشر و إلى العمل الصالح الذي يرضاه الله و البشرية جمعاء.

أما الرأي الثاني يقول بأن شقاء الإنسان و ضياعه و تعرضه للإستغلال و تهيئته لقبوله و الرضى عنه هي ظواهر ناتجة عن الدين و العقلية الدينية، فالتفكير الديني تفكير متصلب ، يقول كارل ماركس : ”البؤس الديني هو عبارة عن البؤس الواقعي الحقيقي و الاحتجاج ضد هذا الشقاء هوفي نفس الوقت تعاسة و بؤس … الدين أفيون الشعوب ” ، الواقع أن الدين سلاح ذو حدين يمكن أن يستعمل للبناء كما يمكن أن يسعمل للهدم، يمكن أن يكون دعوة لتحرير الإنسان كما يمكن أن يكون وسيلة للسيطرة و الاستغلال، فالدين في حد ذاته لا يعوق من تطور البشرية أو ينقص من حرية الفكر ، لكن استعمال الدين لخدمة غرض من الأغراض بدافع هذا العامل أو ذاك هو الذي يجعل من الدين أداة للتخدير و عنصرا هاما من عناصر الجمود الفكري و هذا ما لاحظناه بالضبط إبان انحطاط الفكر الديني سواء في المسيحية أو في الإسلام، حيث وقف هذا الأخير ضد الفلسفة و العلم و أحرقت كتب المعتزلة و كتب الفلاسفة، أما في العالم المسيحي فقد أحدثت في القرن السابع عشر محاكم التفتيش و الاضطهاد و خلاصة القول أنه يمكن أن ننظر الى الدين كإيديولوجيا و هاته الإيديولوجيا يمكن أن تخدم قضية تحرير الإنسان كما يمكن أن تكون وسيلة للإستغلال الإنسان و تظليله.