حين كنت أكتب الجزأ الأول من رأس المال كان أبناء الجيل الجديد أولئك الأدباء التافهون يباهون بأنهم ينظرون إلى هيجل نظرتهم إلى كلب ميت, لذا بادرت و أعلنت أنني لست إلا تلميذا لهذا الأستاذ العملاق. (كارل ماركس)
يقول ماركس : إن منهجي الدياليكتيكي لا يختلف عن المنهج الهيجلي من حيث الأساس فقط بل إنه الضد المقابل له أيضا, فالبنسبة لهيجل أن عملية تطور الفكر و نموه هذه العملية التي يشخصها و يعتبرها مستقلة و يطلق عليها اسم ”الفكرة” هي في نظره خالقة الواقع, أما بالنسبة لي فإن عالم الأفكار ليس إلا العالم المادي منقولا إلى الذهن البشري و مترجما فيه .
و قد أشار ماركس إلى الدياليكتيك الهيجلي كمصدر لجدله في نوع من الاستخفاف : ” فدياليكتيك هيجل يسير على رأسه و يكفي إعادته على قدميه لكي نرى له هيئة معقولة تماما ”. و يضيف : إن منهجي في التحليل ليس هو منهج هيجل لأنني مادي و هيجل مثالي; إن دياليكتيك هيجل هو الشكل الأساسي لكل دياليكتيك بعد أن تزال صورته الصوفية و هذا بعينه ما يميز منهجي .
اقتبس كارل ماركس من أستاذه المثالي هيجل منهجه الثوري و رفض جميع آرائه المثالية و الصوفية و قد صرح ماركس في النصوص التي أوردناها أنه يتبنى المذهب المادي , فماديته تختلف تمام الاختلاف عن المادية الميكانيكية الآلية التي سيطرت على مفكري القرن الثامن عشر و التاسع عشر الذي تزعمه فيورباخ , إن المادية الميكانيكية تنظر إلى المادة في حركتها الآلية و تنظر إلى الطبيعة نظرة ميتافيزيقية , هذه النظرة التي تعتبر الظواهر نهائية و ثابتة و هي نظرة تقف عند الطبيعة فقط و لا تتعداها إلى التاريخ حيث رأت أن الفكر هو الخالق للواقع و العامل على تطور المجتمع .
إن المادية الميكانيكية ساذجة إلى حد بعيد عندما اعتبرت أن الدماغ يفرز التفكير و أن الفسفور هو ما يفكر فينا , ماركس يرى أن وجود المادة و المجتمع سابق على وجود الفكر . وليس معنى هذا أن ماركس لا يؤمن بفعالية الفكر بل يعتبر أن الوعي أو الفكر ليس إلا انعكاسا للمادة أو المجتمع و هو قادر على التأثير في المحيط المادي و المجتمعي . و قد لاحظ ماركس أن العيب الرئيسي للمادية الميكانيكية و الماديات الأخرى أنها تنظر للواقع و للواقع المحسوس على شكل تأمل و ليس كفاعلية إنسانية مشخصة .
فالمذهب المادي يرى أن الناس نتيجة الظروف و التربية التي تلقوها لكن يجب أن نلاحظ أنهم قادرون كذلك على تغيير الظروف التي خلقوها, الماركسية تعتبر أن المادة و الوعي يدخلان في علاقة تأثير كل واحد منهما على الآخر و تنظر أيضا إلى المادة و هي تتحرك في حقيقتها أي في الواقع المعاش .
إن المادة تعيش في حركة دائمة : حركة ميكانيكية (المكان), حركة فزيائية (داخل المادة) و حركة كمياوية (تفاعلات) و حركة بيولوجية (الحركة العضوية) و حركة اجتماعية كتطور المجتمع و التاريخ . إن العالم الموضوعي تتجلى فيه هذه الحقائق المادية و هي لا تقف عن الحركة لأنها تحتوي على تناقضات داخلية و الدياليكتيك ليس إلا دراسة هذه التناقضات خاصة الباطنية و الخفية منها .