إشكالات الواقع

تهتم الفلسفة بمشكلة أساسية ربما كانت هي المشكلة الوحيدة التي وجد بها هذا النوع من التفكير من أجلها : مشكلة ماهية أو ذات أو حقيقة أو جوهر الواقع. ما هو الواقع ؟ ما هو الوجود ؟ ما هي مقاييس الواقع ؟ حينما نتكلم عن الواقع ماذا نقصد بهذا اللفظ ؟ ماذا يتبادر لأذهاننا حينما نريد تحديد الواقع ؟ هل الواقع هو ما تتناوله أيدينا ؟ أو يقاوم فاعليتنا ؟ بخلاف الشيء غير الواقعي أي الخيال و الماضي و المستقبل يقول Jules Lagneau : ” الزمان يشكل ضعفي المكان” فهو خارج عن نطاق فاعليتنا و إرادتنا . هل الواقع هو ما تقرره المعايير الاجتماعية ؟ لكن هناك مشكلة : هل العقلية الجماعية صالحة ؟ يقول Braudel فيلسوف فرنسي معاصر : إن مفهومي الموضوع و الموضوعية يختلفان حسب العصور التاريخية و الأشياء تكون موضوعية أو لا تكون إذا ما كانت مطابقة أولا للنظرة الخاصة التي تنظر بها الحضارات المعنية المختلفة الواقع. و في نفس المعنى يقول Lévy-Bruhl : إن البدائي لا يدرك الأشياء كنحن . إذا كان الأمر كذلك فالواقع إذن من نوع آخر: هل الواقع هو ما أراه أو أتذوقه أو ألمسه ؟ هل الواقع هو ما يعبر عنه التفكير المنطقي و العمليات العقلية الاستدلالية ؟ هل الواقع هو ما نعتقده بعد التفكير ؟ كما قال Pierre Janet : إن الواقع نتيجة اعتقادات تبصرية . هل الواقع هو ما تعبر عنه الإشكالات الخارجية ؟ كما قال Goblot من أكبر المناطقة في فرنسا : ”هذه الظاهرة الحاضرة ولي هي حاضرة و ليست لي” . إذن هل الواقع هو ما هو حاضر أي أن الواقع هو ما تعبر عليه الأحكام الحاضرية بدليل أن الشيء غير الحاضر يمكن أن يكون وهما أو شبحا ؟ ما هو الفرق بين الواقع و الخيال ؟ بين الواقع و المثل؟ بين الواقع و التصورات الذهنية ؟ هل هناك واقع واحد ؟ ما هو الفرق بين واقع الحياة اليومية ؟ أي الواقع المحسوس و واقع العالم أي واقع الشكل و الحركة و الامتداد و كذلك واقع الذرة و مركباتها أو واقع حقل القوى المعبر عليه بالمعادلات الرياضية . ما هو واقع الفنان أو الشاعر ؟ فالكل يعلم أن هذا الواقع بعيد كل البعد عن واقع الحياة اليومية و العملية , كذلك عن واقع العلم . فعالم الفنان عالم كله أناقة و انسجام و جمال في جمال أي عالم خال من السخافة و الخشونة . خلاصة القول ما هو الواقع بالنسبة للميتافزيقا ؟ أو في نظر الفيلسوف الميتافزيقي أو الأنطولوجي ؟

ما هو الواقع بالنسبة لأفلاطون ؟ ”العالم المحسوس و المثل العليا” إذن الواقع هو عالم المثل العليا أو عند Leibniz ” الذرات الروحية Monade ” أو عند كارل ماركس ” المادة و الفكر و العلاقة الاجتماعية” أو عند هيجل الواقع هو : الفكرة المطلقة التيي تتموضع في كل شيء . ” كل شيء واقعي هو عقلي و كل شيء عقلي هو واقعي ” . ما هو الواقع عند رجل الدين ؟ .. التفريق بين واقعين , واقع دنيوي و واقع الآخرة , هذا الأخير يمتاز بواقعية حقيقية لأنه أزلي فالساعة قائمة لا ريب فيها عند رجل الدين . هذه التساؤلات تقرر أن الواقع هو دائما (منظومة مبنية) قصدا أو ضمنيا شعوريا أو لا شعوريا , معنى ذلك أنه ليست هناك علاقة بين الواقع المطلق و الذات العارفة أي أن الواقع ليس معطى فطري بل هو شيء مبني .

ما هي ذات الواقع ؟ أو ما هو كنه الواقع ؟ فالكل يقوم من مقارنة و من مقابلة بين الواقع من جهة و التفكير من جهة أخرى أو بين الشيء و الفكرة , لكن هل هذه المقابلة صحيحة ؟ هل هذا التعارض صحيح هل الواقع هو التفكير ؟ يقول المثاليون أن الواقع شيء خارج عن نطاق الفكر أي أن الأشياء مستقلة تماما عن ”الذات العارفة” كما قال الواقعيون . الواقع هي العلاقة الموجودة حتميا بين الذات العارفة و الشيء الواقعي , هذه المشاكل تدخل في إطار العلاقة و هذا الإشكال بدوره يتحكم في الاتجاهات الرئيسية للفلسفة .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *