أكادير: الجلسة الأدبية الثانية للصالون الأدبي “سانتاكروز”

santa cruz

نظم الصالون الأدبي سانتاكروز جلسة أدبية ثانية إحتفاء بالتجربة القصصية للمبدعة لطيفة باقا بمدينة أكادير، وذلك ترسيخاً لرهان صالون سانتاكروز في خلق إسهام نوعي في الإمتداد الثقافي والإنساني للكائن الجنوبي، الذي آمن منذُ قرون أن الثقافة عمق إنساني و مدخل وحيد لإدراك الذات و الانفتاح على الآخر، نحو مُثاقفة إيجابية.

الصالون الأدبي سانتاكروز هو موقف جمالي يُحاول بمسؤولية و رغبة جادة وخلاقة في تصويب الرؤى الشبابية للإنخراط في الفعل الثقافي والأدبي لترميم هذا الشرخ في المشهد الثقافي الوطني عموماً و المحلي خصوصاً.

وهو مساحة مُشتركة و نوعية في بلورة أسئلة أدبية و فكرية و هوياتية عن الأنـا و الآخر، وفضاء يُموقع الثقافة في موقعها الإعتباري و التشيدي لإنسان يُؤمن بالتعدد والاختلاف و الحوار كأفق إنساني. هذا النَفس الثقافي الجديد ــ سانتاكروز ــ هو سُؤال شبابي جنوبي لـ”نموذجية” المركز حول مدى إعتباره لأدب الهامش إستثنائيةً زمنيةً ووجودية تمارس التناقض مع قوة المركز. وتخلق وعياً بالإختلاف والتعدد واللامألوف واللاجاهز.

هذا الموقع الإحتجاجي ــ الهامش ــ يجعلنا نحتفي بتجارب أدبية تمخضت أسئلتها وهويتها النصية من داخل هذه الهوية اللامتحددة. لطيفة باقا القاصة المغربية الحاصلة على جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب صنف القصة سنة 1992. يُحتفى بمنجزها الأخير ” غرفة فيرجينيا ووالف ” في النسخة الثانية من صالون سانتاكروز. هذه القاصة التي اختارت الهامش رؤيةً للعالم وأفقاً خصباً للكتابة يجعل محكيها يُحاول ــ وينجحُ ــ في أن يكون كل الأصوات والحيوات، ويتقن التموقع الإبستيمي في منطقة محايدة لتشكل فعلها المقاوم الإحتجاجي، بين الخطابات النِسائية المحمومة المعبئة جيوبها بالحجارة من جهة وبين البُنى المجتمعاتية الذكورية الكليانية التي لا تعترفُ بالجرح النسائي خارج حدود جسدها من جهة أخرى.

منجز القاصة يؤكد في كل ملفوظه النصيّ إنتماءها للهامش الخلاقّ دائماً عبر منحها صوتاً قلقاُ للكائنات الهامشية التي لم تحظى بحظوة الضوء، وهذا من خلال ــ مثلاً ــ توظيفها للدارجة المغربية كوعي لساني يدشن مستوىً آخر من الإستعاري الحياتي.

كتابة باقا لم تتورط في السموق الرمزي الفج في الحديث عن قلق الهامش، ولم تعبئ لامقول النص بهواجس هذا المنفلت الهوياتي ــ الهامش ــ بل أعلنتها بكل جرأة عبر اختراقها للخرائط السرية للكائنات والأمكنة والحيوات الهامشية.

هذا الإشتغال الأدبي يتقاطع مع رؤية الصالون الشبابي سانتاكروز وجعلنا نؤمن بقوة هذا الصوت النسائي القصصي، فاحتفى بها في لقاء أدبي خلق مساحة لأصوات شبابية صاعدة على مستوى الشعر و القصة و كذا الموسيقى. وسجل الصالون نجاحا إستثنائياً بحضورٍ وازن من طلبة ومبدعين و شعراء شاركوا في مسابقة أمير الشعراء ومثلوا القصيدة المغربية، و أساتذة وباحثين وأكاديميين ومهتمين بالحقل الثقافي المحلي والوطني.

النشاط وازن بين الأدبي و الفكري حيث بُرمج نقاش موازٍ حول الكتابة النسائية مع دردشة مع ضيفة الصالون لطيفة باقا، وتجدر الإشارة أن الصالون سانتاكروز خلق مُسحة نوعية عبر اشتراطه الدخول بكتاب يُتبرع به لفائدة الصالون على أساس التبرع به مستقبلاً لجهة معنية.

الصالون سانتاكروز نجح في دمج المواهب الشابة في عرس ثقافي ناجح بكل المقاييس ويظفر بموقع صاعد على مستوى الخريطة الثقافية الجنوبية.

السحر و التفكير السحري

إن الإنسان في التعريف المدرسي حيوان عاقل. لكن التفكير القديم للإنسان أثبت أن الشعوب البدائية كانت تتعاطى الشعوذة و السحر و سنرى أن هذا النوع من التفكير هو المظهر الأول للعقل البشري في جميع أنشطته الثقافية و العلمية و الفنية و الدينية.

لقد حكى أحد الهنود من قبيلة Hopi في مذكراته حوادث عن الطقوس السحرية التي خضع لها أبواه قبل ولادته، فقد أخبر كبير السحرة في القبيلة أمه بمولد توأمين و بما أن أمه كانت ترغب في أن تلد ولدا واحدا فقد قرر الساحر أن يجعل من الولدين بعد أن يجمعهما بعملية سحرية ولدا واحدا في بطن أمه، أخذ الساحر طحين الذرة و ألقى به أمام الباب في اتجاه مشرق الشمس ثم أخذ بعد ذلك قليلا من الصوف الأبيض و الصوف الأسود و غزل به خيطا غلف به مقبض أمي الأيسر و قد منعها من أن تنظرالى رسوم الثعابين التي تعرض في الحفلات و هكذا صرت أفعى مائية في رحم أمي و لم أرفع رأسي متجها إلى الأعلى بل صرت في الإتجاه الأسفل لكي أبحث عن مخرج ، كان أبي حريصا على أن لايؤذي أي حيوان و إلا سيعرض جسمي للإتلاف، فإذا قطع رجل أحد المخلوقات الحية مثلا فإن هذا سيسبب لي بترا ليد أو رجل.

حرص أبي كذلك أن يطعم أمي من لحم ابن عرس لكي أصير رشيق الحركة و أنزلق إلى الخارج كما يخرج هذا الحيوان الماهر من جحره.هذا المثال يبين بكل وضوح أن الساحر يحاول أن يتصرف في الطبيعة بواسطة عمليات سيكولوجية.

فهو يحاول أن يسخر الرياح و الأمطار لمصلحته و بالتالي فإن العالم مليئ ”بقوى خفية” يجب التحكم فيها للسيطرة عليها، إنه يحاول أن يسير هذه العمليات بواسطة كلمات، فالعالم مليئ بالأرواح – وهو ما يعتقده التفكير السحري – و هنا نلتقي مع المذهب الإحيائي، يقول ” فولتير ” : بأن الساحر يحاول أن يفعل ما لا تستطيع الطبيعة أن تفعله.

والواقع أن المجتمعات البدائية لا تفرق بين ما هو طبيعي و بينما هو خارق للطبيعة أي ”الفوق الطبيعي” ، إلا أن للسحر فضل كبير على العلم الحديث، فهو الذي دلنا على الفكرة القائلة بأن هناك قوى خفية و مجهولة صيرها العلم في خدمة الإنسان، هنا نكون أمام قضية غريبة هي السرية التامة التي تكتنف التعليم السحري أي المعلومات التي ينقلها الساحر إلى تلامذته، إذ لا يمكن أن يبوح بها إلا إلى هؤلاء التلاميذ، إلا أنه يمكن أن نتساءل لماذا وجد السحر باستمرار و على مر العصور فرافق الإنسانية منذ وجودها رغم الفشل الذريع الذي مني به في الميدان الذي يزعم السحرة أنهم يحصلون فيه على نتائج تطبيقية ؟

إن انتشار السحر انتشارا هائلا في جميع المجتمعات مرجعه إلى الرغبات و الأهواء التي يزعم إرضاءها. إن الإنسان يتميز بكونه ذو رغبة جامحة في ملك هذه القوى الخارقة التي تتحكم في الحياة و الموت، في الصحة و المرض، في الفقر و الغنى، في الحب و الكراهية، بعبارة أخرى يرغب الإنسان في أن يملك هذا الشيئ الخفي الذي يجعله قويا و بشعوره بالقوة يشعر بالسعادة، و من جهة أخرى فإن السحر مقبول من طرف المجتمع حيث أصبح منظما تنظيما اجتماعيا ثم إن انتشار السحر و طقوسه و شهرة المتعاطين له كانا هما السببان الرئيسان في حمايته رغم الفشل الذريع الذي مني به على مر العصور.

إذا ما اعتبرنا السحر من زاوية العلم الحديث فإن التفكير السحري لا يكون في نهاية الأمر إلا حلما أو عملية فكرية خيالية . فرغم إدراك الساحر لقانون ”العلية” فإنه يجهل تمام الجهل القوانين المتعلقة بالمادة.